صلاة الشفع والوتر: موعدها وحكمها وأهميتها في الإسلام

تُعتبر صلاة الشفع والوتر من السنن المؤكدة في الإسلام، وقد أوصى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأكد على أدائها بانتظام لما لها من فضل عظيم وأثر روحي كبير في حياة المسلم. هذه الصلاة تمثل خاتمة ليالي المسلم في العبادة، وهي صلاتان تُصلىان بعد صلاة العشاء قبل النوم، وتأتي في إطار التوازن بين الفرائض والنوافل، وتعزز من ارتباط المسلم بربه في أوقات السكون والهدوء.

تعريف صلاة الشفع والوتر

صلاة الشفع هي ركعتان تُصلّيان بعد العشاء، وسُميت بذلك لأنها تصلى بركعتين زوجيتين (شفع تعني الزوجي)، أما صلاة الوتر فهي ركعة واحدة تُصلّى بعدها مباشرة، ووُسميت بالوتر لأنها تصلى بركعة واحدة فقط وهي عدد فردي (وتر تعني الفردي).

ينقسم المسلمون في أداء صلاة الوتر بين من يصليها ركعة واحدة مباشرة بعد الشفع، ومن يصليها ثلاث ركعات، ولكن الأساس أن الوتر صلاة فردية تُختم بها صلاة الليل.

وقت صلاة الشفع والوتر

يبدأ وقت صلاة الشفع والوتر من بعد صلاة العشاء وحتى قبل صلاة الفجر، وهذا هو الوقت الشرعي الوحيد لأدائهما، وهذا مذكور في الحديث الشريف:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يصلي في يوم وليلة 12 ركعة، يبيت فيها من هذه الصلاة إلا كان له نورًا يوم القيامة، وجاء في الحديث: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وصلاة الوتر قضاء للوتر في الإسلام”».

أي أن صلاة الشفع والوتر تُؤدى في هذا الوقت، ويُستحب أن تكون قبل النوم مباشرة، لما في ذلك من راحة نفسية وخشوع وقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

الحكم الشرعي لصلاة الشفع والوتر

صلاة الوتر سنة مؤكدة، وهي من السنن الغالبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفوّتها إلا نادراً، فهي من صلوات الليل التي لها مكانة عظيمة. أما صلاة الشفع فهي سنة مؤكدة كذلك، وأداءها يسبق صلاة الوتر.

وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قولها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم بالوتر في صلاته الليلية». وعليه فإن صلاة الوتر تُختتم بها صلاة الليل، ولا يجوز تركها بغير عذر.

وتُعتبر هذه الصلوات وسيلة من وسائل التقرب إلى الله وطلب رحمته ومغفرته، وهي حماية للمسلم من الذنوب وسبب لنيل الرضا الإلهي.

كيفية أداء صلاة الشفع والوتر

صلاة الشفع

تصلى ركعتين متتاليتين، في الركعة الأولى تُقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، وفي الركعة الثانية كذلك. بعد التشهد الأخير يُسلم المصلي ولا يصلي ركعة أخرى قبل الوتر.

صلاة الوتر

تُصلى ركعة واحدة، تبدأ بقراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن، ثم الركوع والسجود، وبعد الرفع من السجود الأخير يُؤدى التشهد ويسلم المصلي.

هناك روايات أخرى عند بعض العلماء أن الوتر يمكن أن تُصلى بثلاث ركعات متصلة، حيث تُقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن في الركعة الأولى والثانية والثالثة، ثم يُسلم في النهاية بعد التشهد.

فضل صلاة الشفع والوتر

لصلاة الشفع والوتر مكانة عظيمة في الإسلام، وفضلها كثير ورد في الأحاديث النبوية الشريفة. من هذه الفضائل:

• تعد ختمًا لصلوات الليل، وسبيلًا لنيل رضا الله تعالى ومغفرته.

• يحث النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها، وقد قال: «إن الله وتر يحب الوتر» (رواه البخاري ومسلم).

• صلاة الوتر سبب في دخول الجنة، وتركها من الأمور التي ينصح المسلمون بتجنبها.

• تزيد في خشوع المسلم وتقرّب قلبه إلى الله، وتُشعره بالطمأنينة والسكينة النفسية.

شروط وأحكام خاصة بصلاة الوتر

• يجب أن تُصلى الوتر بعد العشاء، وليس قبلها.

• يُستحب تأخير الوتر إلى آخر الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» (رواه البخاري ومسلم).

• يجوز أداء الوتر بأي عدد من الركعات الفردية، من ركعة واحدة إلى سبع ركعات أو أكثر، بحسب استطاعة المصلي.

• يُسن للمصلي أن يدعو الله في التشهد الأخير بعد الوتر، فهو وقت مستحب للدعاء والابتهال.

صيغ خاصة في دعاء الوتر

من السنن المحببة في صلاة الوتر أن يُدعى بين الركوع والسجود، وخاصة بعد التشهد الأخير. من أشهر الأدعية:

• «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت».

• كما يمكن للمصلي أن يدعو بأي دعاء من القلب وطلب الخير والرحمة والمغفرة.

صلاة الشفع والوتر في الجماعة والفرد

يمكن أداء صلاة الشفع والوتر في المنزل منفردًا أو في المسجد جماعة، وفي كلا الحالتين لها فضل عظيم. صلاة الجماعة تزيد من أجر المصلي، خاصة إذا تم أداؤها بخشوع وسكينة.

ويُستحب أن يجعل المسلم صلاة الوتر خاتمة صلواته الليلية، سواء في رمضان أو في غيره من الأشهر.

علاقة صلاة الشفع والوتر بصلاة التهجد

صلاة التهجد هي صلاة الليل التطوعية التي يصليها المسلم بعد نوم قليل من الليل. وتعتبر صلاة الشفع والوتر خاتمة لصلاة التهجد، حيث تصلى التهجد عددًا من الركعات التطوعية ثم تُختم بصلاة الشفع والوتر.

يحرص المسلمون في رمضان على أداء صلاة التهجد متبوعة بالشفع والوتر، لما لها من ثواب عظيم، وقد ورد في الحديث الشريف: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» (رواه مسلم).

جدول يوضح أوقات صلاة الشفع والوتر وحكمها

تأثير صلاة الشفع والوتر على النفس والروح

إن المواظبة على أداء صلاة الشفع والوتر تعزز في نفس المسلم الشعور بالهدوء والسكينة، وتجعله أكثر قربًا من ربه. فهذه الصلاة تمنحه فرصة للتفكر في نعم الله وشكره عليها، كما تتيح له مساحة للتوبة والتضرع والطلب من الله أن ييسر له أموره.

في الحياة اليومية المزدحمة، يحتاج الإنسان إلى لحظات خلوة روحية تنير قلبه، وتصفي ذهنه، وتزرع فيه التفاؤل والأمل. صلاة الشفع والوتر تمثل هذه اللحظة المقدسة التي يغلق فيها المسلم أبواب الدنيا ويتوجه بكيانه وروحه إلى الله تعالى.

الخلاصة

صلاة الشفع والوتر من أعظم السنن التي أوصى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي من أفضل ما يُختم به الليل، وتمتاز بوقتها الخاص بين صلاة العشاء والفجر. المحافظة على هذه الصلاة تعني الحرص على التواصل الدائم مع الله، وتحصيل البركة والغفران والرضا الإلهي.

تأتي هذه الصلاة كخاتمة مشرقة لصلوات الليل، تحث على التقرب إلى الله والدعاء والتضرع إليه، وتمثل في الوقت ذاته توازنًا بين الفرائض والنوافل التي تُغذي الروح. وهي من أفضل العبادات التي تثبت القلب وتزيد من الإيمان، وتُدخل السكينة إلى النفس، وتعد حصنًا يحمي المسلم من معاصي الحياة وفتنها.

المصادر:

1. صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب صلاة الوتر

2. صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الليل والوتر